الخَوفُ منَ المعْنى رسالة مفتـوحة إلى رئيس “بيت الشعر في المغرب”

0

 

 

انتظرت سنةً كاملة قبل أن أوجّه لك هذه الرسالة المفتوحة. أقصدُ سنة على تعيينك رئيساً لـ”بيت الشعر في المغرب”، خلال اجتماع للهيئة تم في تاريخ 22 نوفمبر 2008 وأعلنتْ عنه جريدة “العلم” (التابعة لحزب الاستقلال) على صفحتها الأولى، في تاريخ 25 نوفمبر 2008. إعلان سياسي، يعني أن أحدَ أعضاء الحزب أصبح رئيساً لمؤسسة ثقافية، وهي تبارك هذا التعيين وتتبنّاه.

سنةٌ مضت، إذنْ، على تعيينك، بصفتك الحزبية، رئيساً لهذه المؤسسة، التي لا أزال أتذكّر أنني كنتُ أحد المُعلنين عن تأسيسها ورئيسها لثلاث دورات من 1996 حتى 2003، وأتذكر أنني نجحتُ، بفضل أصدقائي من الأعضاء الذين ظلوا إلى جانبي أوفياء، في إعطائها معنى التأسيس، بعيداً عن كل وصاية. لا بدّ أن أفرح بذاكرتي التي لا تنسى حدثاً له علوُّ الألـق، في مسار الثقافة المغربية الحديثة. فليس بمقدور أحد أن يسرقَ مني هذا الفرح، في وقت أشاهدُ فيه كيف أنكَ وأصدقاؤك أولُ من ينسون هذا الحدث، وأتتبع فيه كيف تعملون الآن على محْوه من الذاكرة الثقافية.

سنةٌ إذنْ. قبلها كان حسن نجمي قرّر الاستيلاء على “بيت الشعر في المغرب”، بمؤازرة أعضاء سياسييـن، وقد رأى في هذه المؤسسة غنيمة لا تُوازيها غنيمة أخرى، بعد أن كنتُ عملتُ، مع جماعة من الأعضاء، من أهل الكرم والنّبل، على أن تصبحَ هذه المؤسسة، في فترة محدودة من الزمن، منارةً دولية للشعر والشعراء المغاربة، بل منارةً يمكن للمغرب أن يفتخر بها. رئيسٌ في جمع لا يحترم تقاليد “بيت الشعر في المغرب”. هي عودةُ السياسي لإخضاع الشعر والشاعر لتبعيته، وقد كانا تحرّرا من تلك التبعية على مدَى سنوات. وبهذا كان لحسن نجمي ما أراد بكل يُسر، بعد أن أصرّ، كما أصرّ الرئيس الأسبق، على عدم احترام توفر شروط عقد الجمع العام. فالمسألة الثقافية ليستْ بعد من الشأن العمومي، في مجتمع تسودُه حداثة معطوبة، كما أن السلطة التي توفر عليها سياسيون تقدميون، في حكومة التناوب والحكومة الحالية، وضعتْ بين يدي حسن نجمي نفوذاً استغله لبلوغ غايته.

كان هذا الاستيلاء على “بيت الشعر في المغرب” يعْني خيانة فكرة “البيت”، بما هي فكرة حرة من أعباء لا شأنَ للشعراء بها، تهدف إلى حفظ كرامة الشعر والشعراء المغاربة، بعد أن كان اليتمُ مصيرَ كل منهما. ذلك ما كان أكد عليه كل من “بيان التأسيس” و”الميثاق”. وتتمثل خيانةُ الفكرة في بثّ روح العَداء بين الأعضاء بدلاً من روح الصداقة والأخوة، وتحويل “البيت” إلى مكان مُغلق على المكيدة والإلغاء بعد أن كان مكاناً للقاء والتضامن، مفتوحاً بدون أبواب على علاقة السلام من الإنسان إلى الإنسان أو علاقة يصاحب فيها الإنسانُ الكون، كما تقول ذلك أبيات الشاعر أبو الشمقمق (القرن الثاني للهجرة) التي كنا اخترناها، أصدقائي في المسؤولية وأنا، شعاراً لفكرة جديدة عن مؤسسة شعرية في المغرب.

على أنّ خيانة الفكرة تجسيدٌ لما أسمّيه اليوم “الخوف من المعنى”. تسميةٌ تدل على أن من واجب الشاعر أن يفكّر في الألم الجماعي، ويحتضنَ الفكرة ويربطَ بينها وبين مسلكه في الكتابة والحياة والمقاومة. فمعنى “بيت الشعر في المغرب”، ومعنى الشعر والشاعر، يقوم على التعدّد والاختلاف واللانهائي. من هنا أصبحَ هذا المعنى شبحاً يُخيف كل من يرغم الآخرين على الاستسلام لانغلاق حقيقة السياسي، عندما تكون امتداداً لحقيقة الديني، لحقيقة المعنى الواحد الذي لا يتعدّد. بين المعنى المتعدد والمعنى الذي لا يتعدّد حفرةٌ تظل حفرة على الدوام. توضيحٌ من الضروري أن نعود كل مرة إليه. وهو يفيد أنّ المشكل، حسب هذه الرؤية، لا يوجدُ مع السياسي مطلقاً، بل مع من يفرضون الرقابةَ على حقيقة السياسي فيجعلونها لا تقبل التعدّد، الاختلافَ، اللانهائي، من يحصرون السياسي في استحواذهم على الحقّ في التقاسم، منْ يستغلون السياسي لهيْمنتهم واستبدادهم. فيما الضرورةُ تفترض أن العلاقة يجبُ أن تكون عكسية، أيْ أن يستنـير السياسيُّ بالشعري الذي فضاؤه هو تعدّد المعنى واختلافُه ولا نهائيتُه. إنها الوديعةُ التي نستقيها من تاريخ الشعر العربي والشعر الإنساني، وهما يتآخيان في كسر طوْق كلّ انغلاق يلغي الشعر ويمحَق الشعراء، أو يغذي الحقد والكراهية. والخوف من المعنى خوفٌ من حرية هي تعددُ المعنى، ومن مغامرة هي إبداعُ الذات والمصير. لأنّ معنى “بيت الشعر في المغرب” ومعنى الشعر ومعنى الشاعر، رحيلٌ إلى زمن شعري مغاير، عنوانُه الأكبر هو التحررُ من المغلق، الواحد، الذي يصدّ الشعراء المغاربة عن إبداع حوار شعري مع مُجتمعهم ومع العالَم.

كانت النتيجةُ الفورية، للخوف من المعنى، هي تنفيذُ الإعدام المدني في حقّي، بمباركة من الرئيس الأسبق وأعضاء كانوا، كغيرهم، من أقرب الناس إلى نفسي، ولكنهم نفّذوا الأمر بعد بيْع حريتهم مقابل مناصب وعطايا أصبح بعضُهم يتمتع بها والآخر ينتظرها. نفذوا الحكم، خوفاً من المعْنى الذي كنتُ أقاوم، مع غيري، من أجل المحافظة عليه. شطبوا على اسْمي في أنشطة وخطابات ومنشورات “بيت الشعر في المغرب”. وضعُوا كل ما قمتُ به وما أنجزتُه (وأنجزه) في مزبلة وأحرقوه، حتى لا يبقى أثر. وفي محافلهم اختاروا الكذبَ، كل مرة، على من يسأل عنّي. لا تغيبُ عن ذهني أسماءُ شعراء وكتاب أحرار كان لهم المصيرُ نفسه، عبر التاريخ، كما لا يغيب عن ذهني ما عانيتُ منه في “اتحاد كتاب المغرب” بسبب رفضي (وفضْحي) تبعية الثقافي للسياسي.

والسبب المباشرُ لانتقام كهذا هو إبداءُ رأيي، كعادتي، بحُرية وصراحة، أثناء اجتماع للهيئة، تحفظتُ فيه على التسرع في اختيار حسن نجمي مرشحاً لرئاسة “بيت الشعر في المغرب”. فهو كان، من جهة، يبحثُ عن عمل ولا يعرف أين سيستقرّ به العمل الجديد؛ وكان “البيت”، من جهة ثانية، يُعاني من بُعد الرئيس الأسبق في فاس عن مدينة الدار البيضاء، التي هي المقرّ الرسمي والمدينة الرمزية. وإعادةُ الحيوية إلى “البيت” كانت تتطلب، من بين ما تتطلب، اقتراحَ اسم نضمن إقامته قريباً من المقر، بين الدار البيضاء والرباط. أيّدني، ظاهرياً، جميعُ الأعضاء الحاضرين (وأحتفظ بالبقية للوقت المناسب). لكن الاجتماع القانوني لم يعُدْ هو مكان الرأي والاختيار. كان مجردَ إبداء رأيي (وتحفظي) في اجتماع لم يحضره حسن نجمي، مثلما لم يحضر اجتماعات سابقة، كافياً لأن يعثر فيه على الذريعة المباشرة لإصْدار حكم الإعدام المدني عليّ، بدون محاكمة، تجسيداً للخوف من المعنى.

يُضحكني ويُبكيني هذا الانتقام. فما توقعتُه وما نبهتُ الهيئة عليه هو ما حصل. أصبح حسن نجمي، بعد شهور قليلة، موظفاً يتحمل مسؤولية اعترف معَها للهيئة، في اجتماع 22 نوفمبر 2008، عن عجزه عن تسيير شؤون “بيت الشعر في المغرب”. ثم تصرّف بصفة “البيت” إقطاعاً وبصفته هو سيدُ هذا الإقطاع. لا قانون ولا تقاليد. الراعي والرعية. ولا تفكر، بعد هذا، لا في “البيت” ولا في الشعر ولا في الشاعر ولا في التاريخ ولا في المعنى. كل ذلك من اختلاق حمْقى مكانهم القبوُ وهمْ في الأغلال. للسيد المزيدُ من السيادة. وكلامك الطاعة أوْ لا تكون.

أنا شاعر. وأفترضُ أني وهبتُ حياتي للشعر والحرية. مزقتُ ثوب الطاعة وصاحبتُ الأمكنة التي لا عودةَ منها. ومن هناك، من الشعر والحرية، أتوجّه إليكَ اليوم أنت، نجيب خداري، بعد مرور سنة كاملة، بأسئلة : ما السبب الذي يدفعك وأصدقاءك إلى الاستمرار في التشطيب على اسمي وأعمالي من أنشطة وخطابات ومنشورات “بيت الشعر في المغرب”؟ ألا ترى أنّ هذا التشطيب تأبيدٌ للحكم عليّ بالإعدام المدني، الذي أصدره بحقي حسن نجمي؟ بل ما السندُ القانوني، أو الأخلاقي، الذي يؤدّي بك وبأعضاء الهيئة إلى أن تمارسوا بحقي هذا الحكم، أنا الذي أعطيتُ، صحبة جماعة من الأوفياء للفكرة، كلَّ شيء، لمدة تزيد عن سبع سنوات، من أجل أن يكون “بيت الشعر في المغرب” مؤسسة حديثة، حرة، تفتحُ للشعر والشعراء المغاربة عالماً جديداً؟ ألديك وثيقةٌ رسميةٌ بخط يدي أو بإمضائي تثبت أنني سحبتُ عضويتي من “بيت الشعر في المغرب”؟ ولنفترض أنني سحبتُ العضوية، فما الموجب الذي يمنعكَ ويمنع غيركَ حتى من ذكر اسمي؟ هل صدر عني موجبٌ لهذا النكران، كأنْ أكون شتمتُك (أو شتمتُ غيرك) مثلما شتمني بعضُهم ولم أمنعه من أيّ نوع من أنواع الحضور في أنشطة وخطابات ومنشورات “بيت الشعر في المغرب”؟ كيف يمكنك أن تتحملَ مسؤولية في مؤسسة لا توجِّه لي، وأنا عضوٌ مؤسس ورئيسٌ سابق لثلاث دورات، ولا حتى دعوة واحدة لحضور نشاط من الأنشطة، وفي مقدمتها إحياءُ الذكرى الأولى لرحيل صديقي الفقيد محمود درويش؟ قلْ لي، أنت الرئيس باسم حزب يرفع شعار الدفاع عن مغرب حر، بأيّ لسان يُمكنني أن أحكي هذا الذي يلحقني باسمك وفي ظل مسؤوليتك؟ بأيِّ أمل يمكن أنْ أتكلم عن مستقبل الثقافة المغربية؟ عن أيِّ شعر وشعراء؟ أوْ أيِّ أخلاق للمثقفين وأيِّ سلوك؟ وهل بوُسعي أنْ أتجنبَ الريبة من كل ناطق باسم الحداثة والشعر والديمقراطية؟ هل تعتقدُ أننا يمكن، بمثل هذا السلوك المنافي للقيم التي دافع “بيت الشعر في المغرب” من قبلُ عنها، أن نكون أوفياءَ لما جاء في “بيان التأسيس” و”الميثاق” أو نبني مستقبلاً حراً للثقافة المغربية؟ كيف يمكنك بهذا السلوك مقاومة التاريخ القاسي لإلغاء الشعر والشاعر المغربيـين؟ أليس هذا دليلاً على خوفك أنت الآخر من المعنى؟

أسألكَ أنت، على نحو مباشر، ولا أسألُ غيرك من الذين عملوا على خيانة فكرة “البيت”، وهم ممّن أعطيتُهم في حياتي أغلى ما يمكنهم الحصولُ عليه، منه ما هو واجبٌ علي، كأستاذ في الجامعة، ومنه ما ليسَ واجباً، علماً وتكويناً ونشراً ومكانة وحضوراً في الحياة الثقافية. أعطيتُهم بدون تقسيط، ولا أندمُ على ما أعطيت. تلك عقيدتي في الحياة، بها استضأتُ وأستضيءُ في علاقتي بالآخرين من أجل مغرب ثقافي، حرّ، كريم ومبدع. أسألكَ، إذنْ، عمّا يتعلق بي، وأتجنبُ، مؤقتاً، كل ما يخصّ التوجّه والأنشطة والخطابات والمنشورات. أريدُ (كما تريد أسئلتي) من الرئيس فيكَ أن يُجيب، إن رغب، بلغة المسؤول الذي يتذكّر في الوقت نفسه أنه مسؤول، قبل كل شيء. ثمة أسرارٌ بيننا، لا يعلمها إلا القليل من الناس، من بينهم الرئيس الأسبق وحسن نجمي. فأنتَ الذي كنتَ أخبرتني بفوزي بجائزة الأركانة، متحدثاً عني بعبارات التمجيد والإجْلال. قبلتُ الجائزة في البداية ثم رفضتُها لاحقاً لأسباب ليس هنا ذكرُها. وبعد رفضي، اجتمعت اللجنة للمرة الثانية وأعلنت عن فوز الشاعر محمد السرغيني. سرٌّ كهذا له دلالة. أليس كذلك؟

سنةٌ وأنا أنتظر. كنتُ أقول ربما تتصفح “بيان التأسيس” و”الميثاق” وتقرأهما قراءةً عاشقة، فتهبّ عليك عاصفةٌ من الأخوة، أو ربما يفاجئك تذكرُ ما كنتَ كتبتَ، أنتَ، ذات يوم عني، فتفتحَ هاتفك وتكلمني، أو تقلّ القطار وتدقّ على باب البيت في المحمدية، أوْ، أسهل من ذلك كله، تقفَ أمامي في الكلية. تأتي وتخبرني بنفْسك. بإرادة منك وباختيار. كنتُ أنتظر. لم أكن أتعجّل في شيء. وما كنتُ أتوصل به، في المقابل، من أصدقائي لم يكن يستفزّني. انتظرت. ثم بعد مضيّ سنة تأكدَ يأسي منَ الشاعر فيك ومنَ السياسيين مثلك. ويأسي هو سبب كتابتي، اليوم، هذه الرسالة المفتوحة حتى يتوقفَ نزيفٌ من الكذب والبهتان تنطقون به ولا تتجرأون على كتابته، وحتى يعلم الأصدقاءُ وضعيتي علانيةً وبشكل مباشر، ويدركوا أن ما بينكم وبيني هو خيانتكم للفكْرة كما تمتْ صياغتُها في كل من “بيان التأسيس” و”الميثاق”، وبالتالي خوفكم من المعنى.

كنتُ أتوصل، منذ بداية محْنتي مع “بيت الشعر في المغرب”، بمُراسلات وأخبار من أصدقاء من خارج المغرب يبلغُونني فيها بما لا علمَ لي به مما يُقال عني. أقرأ وأنصت فأستغرب. وهو إما كذبٌ عليّ أو تبريرٌ خادع أو تهرّبٌ من الإدلاء بالحقائق. أصدقاء يسألون عني. هذا منْ حقهم. لكن ما يقدّم لهم من أجوبة هو ما يترك وضعيتي في “بيت الشعر في المغرب” لديهم مُلتبسة. وأحتفظ بالمُراسلات، المكتوبة بلغة أصحابها. لذلك فغايتي، اليوم، هي إزالةُ الالتباس، من طرفي على الأقل، بل إزالةُ الالتباس حتى بالنسبة لأصدقائي الأعضاء، الذين لا يزالون بدوْرهم يتذكرون أنني كنتُ ذات مدة من الزمن رئيسَ هذا “البيت”، ولا يفهمون بالضبط ما الذي جرى ويجْري من طرفكم بحقّي.

هي رسالة مفتوحة موجهة لكَ أنت، نجيب خداري، بصفتكَ رئيس “بيت الشعر في المغرب”، أيْ شخصاً مُلزماً باحترام “بيان التأسيس” و”الميثاق”، ومُلزماً بتطبيق القانون، الذي في ضوئه تمارس مسؤوليةَ الرئاسة وتحْمي الأعضاءَ وأهدافَ وتقاليدَ المؤسسة من أيِّ عبث أو استغلال نفوذ، وبمُوجبه إما أنكَ رئيس أوْ لستَ الرئيس، إما أنك تقاومُ من أجل المعْنى أو تخافُ من المعنى. فما أعبّر عنه في هذه الرسالة المفتوحة هو ما يمثل رأيي، وبه أتوجّه إليك، بدون واسطة. مرت سنةٌ على إعلان أنكَ تتحملُ مسؤولية الرئيس. ومن حق “بيان التأسيس” و”الميثاق” عليك، ومن حقّي، وحقّ أصدقائي، بعد هذه المدة، أن تجيبَ عمّا أنا فيه، حتى لا يضطر أيُّ شخص لاحقاً للكذب علي. هذا وحْده ما أتمنّى، ولا أريد شيئاً، كيفما كان، خارج جواب علنيٍّ من طرفك على سلسة الأسئلة. ولك بطبيعة الحال ألا تجيب. أمّا بلاغة إخفاء ما لا يخفَى، فلا حاجةَ بها. أنْ تعترفَ أنت وبقية أعضاء الهيئة أوْ لا تعترفوا بما قدّمت، أن تذكروا أو لا تذكروا ما أنجزتُ وأنجز، فلا يهمّني كلية. ومن الأفضل تجنّبه. تجنبُ الكذب، باختصار.

هي رسالة مباشرة، مفتوحة. فأنا، من جهتي، لا أرغبُ في أن أكون مُجبراً على تصريحات شفوية تنشر بصيَغ محرَّفة أو بعبارات هي من اختلاق طالب التّصريح ولستُ مسؤولاً عنها. كما أنّ حياتي الشعرية والثقافية تحْميني من الجُنوح إلى ممارسة أيِّ نوع من أنواع المكيدة، التي لم يُشفَ من دائها بعضُ شعرائنا السياسيين الذين لا يُنصتون إلى فكرة “بيت الشعر في المغرب”، أو يدّعون إيمانَهم بالديمقراطية فيما هم يخافون من المعنى ثم يحكُمون بالإعدام المدنيِّ، وبدون أيِّ محاكمة، على كلِّ من يقاوم من أجل المعْنى، على كل من يعبّر بحرية عمّا يروْنَه مزعجاً لاستمرارهمْ في إجبار الآخرين على الاستسْلام لانغلاق حقيقة السياسي. وأتـنازلُ، في الوقت نفسه، عن استعمال أيِّ حق قانوني تضمنُه لي قوانينُ “بيت الشعر في المغرب”، أو قانون الجمعيات في المغرب، مثلما أتخلّى عن اللجوء إلى القضاء، وعن النداء على أصدقائي للتضامن معي، بل إنّني لا أفرضُ عليك حتى الجواب عن أسئلة هذه الرسالة.

لكنّني في الكتابة والمقاومة أقـيم. مرتْ سنة. وبعد الانتظار واليأس، أوجّه لك هذه الرسالة المفتوحة.

لعلّك تقرأ.

 

 

 

محمد بنيــــس