سعدي يوسف

0

 

 

من بين شعراء الحداثـة المغاربة، يمكن للمرء أن يرصد لدى محمد بنيس سجيتـين: مواصلة مسعى شعري (عبر عشرين عاماً)، وصلة بالمشرق تنتظم إشكالاته الشعـرية والسياسية في تواشـج مؤسس.

لم تكن هيـنة، هذه الدرب التي ظل يطرقها. لقـد كان في المفترق الذي طالما توقف عنـده الشعراء المغاربة المحدثون المتـشوفون إلى طليعةٍ مَا: التمتع الرخيُّ بمنجزات القصيـدة الأروبية الغربـية (الفرنسـية والإسبانية) والإطلال الحـذر. عبرهـا ـ على مشهد شـديد التعقـيد (وربما القـسوة)، مشهد أن يكون الفلكلور تعبـيره الأمثـل أو البحث الدائب عن أشكال ومقاربات أعمق صلة بهـذا الواقع الضاج “محَا الطرائق وانتـشَى لم يسترحْ جمعتْه أعيادُ الخطوط بلعبة منْ أين يبدأُهَـا” (ص.16). هكـذا سيتم الانطلاق من سهل الشـاوية إلى خراب الشـرق” تفضَّلْ يا خرابَ الشرق أنتَ ولايتي“. وهكذا ستتـصل الأنهار: أبو رقراق ـ سـبو ـ بردى ـ الفرات ـ النيل ـ المدن والأماكن ستـتداخل هي أيضا وتتـدافع: فاس، سبـتة، تطوان، الدار البيضاء، عين الرمانة، تل الزعـتر، القيروان، القـدس، بيروت، دمشق، بغداد، عكا، الخرطوم، ظفـار، يافا، مراكش، السيـبة، الأطلس، الخليج، الشياح، شارع الرشيد، وزان، زرهون، ورزازات “هـا هي المدنُ القريبـة والبعيدةُ تلتقي في النارِ/ كلُّ مدينة تهْـوي وتخطف موتَـها/نسيتْ هتاف العشب بيـن دروبها في القتل هـذي الرقعةُ المجنونة اكتملتْ” (51). وفي هذه “الرقعـة المجنونة” يضطرب السجناء والسجـانون، وتتـشابك الأشياء والأحداث . هكذا سنرى غسان كنـفاني مع المهدي (لم يستـشهد غسان في السيارة) وثمت عبد اللطيف (اللعبي؟). ومثلما تشابكت الأشياء والأحداث والمـدن، سيتشابك الشعراء على امتـداد المغرب العربي والمشرق، وسوف يكون محمد بنيـس في المملكة المغربية أكثر ممثلي هذا التـشابك صراحة.