قاسم حداد

0

 

شخصياً، عرفته في عام 1980 في لقاء أدبي في بيروت، لكي اكتشفَ كائناً سجالياً مميزاً، وهذه خصيصة نادرة في ثقافتنا العربية، وقد شكلتْ لي هذه المعرفة، أفقاً نوعياً من صداقة الثقافة والإبداع.

هذه الطبيعة السجالية هي التي ستجعل تجربةَ محمد بنيس  محتدمةً وغنيةً، موضوعةً في مهب تجربةٍ طموحةٍ، حيثُ الحوارُ هو جناحُ المعرفةِ وجذوةُ الكتابة.

محمد بنيس يقترحُ شخصيةَ الشاعرِ الايجابيةِ الفعالة البالغة التنوع، التي يتجاوزُ الشعرُ فيها حدودَ القصيدةِ ليصبحَ ضرباً من العيشِ الشاملِ في الحياةْ، وهذا ما يقدمه شاعرُنا في الحقلِ الذي يحسنُ إدارةَ آلياتِه وينالُ فيه لذةَ النصْ.

عرفه عربُ المشرقِ باعتبارِه شاعراً ومقترحاً نقدياً له اجتهاداتُه المميزةُ في حقلِ البحثِ الأدبي، وعُرفَ نشاطُه الحماسيُ بمثابة ورشةٍ ثقافيةٍ بامتيازْ، حين كانَ في ذروةِ انهماكِه في إصدارِ مجلة (الثقافة الجديدة)، العلامة الفارقةُ في مجلاتِ المغربِ الحديثْ، وقد ظلَّ كذلك حتى بعد إقفالِها مع مجلاتٍ أخرى في المغربِ منتصفَ الثمانينيات، بل أنه نجحَ في ابتكارِ الوسائطِ الثقافيةِ التي يذهبُ بها نحو الآفاقِ التي تضعُ الإبداعَ الفكريَ في سياقٍ عربيٍ جديد، أكثرُ من هذا، فانه سرعان ما أصبحَ أحدَ أنشط الجسور النشيطة بين الثقافة العربية والعالم، من خلال العديد من المشاريع المشتركة التي أطلقها، بمشاركة زملاء له مغاربة وعرب، حتى أنه بات يشكل طموحا غير مستقر لبلورة المفاهيم المتسارعة التغير لفكرة الحوار الثقافي والحضاري بين الثقافة العربية والعالم.

فلكي لا نشيرُ إلا لبعض إسهاماته الأهم، بالإضافة إلى الترجمة بين اللسانين العربي والفرنسي، لابد من التأكيد على دوره في تأسيس بيت الشعر في المغرب، وهو المشروع التأسيسي على المستوى العربي، فبعده انطلقت مشاريعُ مثيلةٌ في مناطقَ عربيةٍ أخرى بوحيٍ جادٍ من ذلك البيت الشعري الأول.

وهو الذي  اقترح على المنظمة الأممية لأن تعلن اليونسكو يوما دولياً خاصا للاحتفال بالشعر، وقد استجابت اليونسكو بعد نقاشات طويلة بأن يكون 21 مارس هو يوم الشعر في العالم.

ومن “بيت الشعر”، سوف يطلقُ محمد بنيس من الدار البيضاء مهرجاناً عالمياً للشعر، مسهماً في تنشيط العلاقات الحيوية بين الشعر العربي والعالم.

كل تلك الانهماكات. لم تشغله عن ولعه الأدبي بالبحث النقدي، ولم تصرفه عن متابعته المبتكرة للدرس الجامعي الرصين.

لكنه لن يستقرَ بعد ذلك،

الشاعرُ لا يستقرُ .. بعد ذلك أبدا.

 

ومحمد بنيس مسافرٌ أبداً للمشاركة في العديد من اللقاءات ومهرجانات الشعر في أصقاع العالم، مطلقا، أو مشاركاً، في حوار الشعر، قراءة وترجمة وانتولوجيات مزدوجة اللغات، ومحفزاً على فضاءات إبداعية متنوعة.

 

قبل ذلك وبعده،

يبقى لنا محمد بنيس الشاعر،

الذي يشكل جوهرة المراصد في مجمل هذه التجربة الثقافية والإنسانية التي لا تعرف تخوماً نحو الآخر، لمحاورته، لمعانقته، لوضع الشمسَ في قلبِهِ.