لغة المقاومة

0

 

 

 

أكثر من أسبوع والحرب الإسرائيلية على لبنان لا تتوقف ليل نهار. أيام الأسبوع الماضي سلسلة أيام من جحيم يستمر. قـوات إسرائيلية هاجمة بطائرات وبوارج ودبابات ثم مدعمة بموقف دولي وغياب عربي، يبلغ مع البعض حد إدانة المقاومة، باسم الدفاع عن المصالح العليا. هجوم وحصار يوحدان الأرض بالسماء والبحر في الدوي وأحجام ضخمة من دخان ونيران. تلك هندسة هذا الجحيم. وانظر إلى ما يتكرر ليل نهار. حمم وأشلاء وأنقاض ودموع. من مناطق الجنوب اللبناني حتى بيروت. التدميـر والقتل. بلا حساب أخلاقي. هناك، في الرقع والمناطق تزداد الشراسة ليزداد التدمير ويزداد القتل. لبنان. شعب وأرض لهما من التدمير الإسرائيلي بقدر ما لهما من موت. صور وأصوات تصلني، عبر قنوات تلفـزية وإذاعات وصحف، بأخبار تضيف ضحايا إلى الضحايا ودماراً إلى الدمار. تلك هي المقاطع الواصلة. ولا أجد كيف أكلم صديقاً من بيروت أو كيف أكون قريباً من قيامة تتسع عذاباتها من يوم ليوم.

 

لم يفاجئني شيء مما تفعل إسرائيل، مستعينة بكلماتها التي تتكفل بتزيين مآسي التدمير والقتل. معجم أقوال عسكرية تتوهم أنها مصدر الحكمة في إدارة مصير شعب لبنان ملثما في إدارتها لمصير شعب فلسطين. ما عاشه كل واحد منا في اختبار الطغيان الإسرائيلي لا يسمح بالمفاجأة. إسرائيل، التي تريد إخضاع غير الخاضعين لسيادتها ولطغيانها، هي نفسها التي تدمر وتقتل منذ أكثر من أسبوع. وللسيد الأمريكي ما يضيف إلى الحكمة الإسرائيلية حينما يؤكد أن الحرب يجب أن تستمر بدون أي حساب، مهما كان، سوى الإخضاع.

 

الدم والخراب. الدموع والأنقاض. الصراخ والحرائق. من يوقف هذه الحرب التي لا تزداد إلا شراسة في وطن يريد أن يكون مثل غيره حراً وآمناً؟ ولا أسمع جواباً يقول لإسرائيل ما يجب أن يكون متطابقاً مع الحق البشري في الحرية والأمن. إسرائيل لن تقر بمبدإ الحرية ولا بمبدإ الأمن لأحد يدافع عما لا ترغب هي فيه. لها أولوية أن تكون الطاغية ولغيرها أن يكون العبد المترجرج فوق الأرض. طغيانها وحده الذي يقرر للآخرين درجة العبودية ودرجة الرعب. لم تبدأ الحرب اليوم حتى أفاجأ. هي حرب طالت سنواتها. وما يجري منذ أكثر من أسبوع هو فقط فصل جديد من جحيم تراه إسرائيل لازماً لوجودها.

 

ولغة المقاومة التي أقرأها، في الفعل اللبناني، تعيد إلى أذهاننا، مرة أخرى، أن حكمة إسرائيل هي بنت وعي مجرم وشقي. مقاومة أشاهـدها من بعيد، لكني أحس في كل حركة منها روحاً تنزع نحو تقويض حكمة لا نفع فيها. هل التاريخ هو ما يتكلم اليوم في لبنان؟ هل ما يتكلم هي القيم الإنسانية؟ هذا وتلك في آن. مقاومة الشعب اللبناني أتتبع حروفها الكبرى في فعل يتعدد، عسكرياً ومدنياً على السواء. تلك المشاهد والأنباء الواصلة تدل على ما تعلمه شعب لبنان من تاريخه وما تعلمه من قيمه الإنسانية كي لا يخضع. وفي عدم الخضوع درجات من المقاومة أسْمَاها هذا التضامن، الذي يبدع أشكاله شعبياً ورسمياً في كل لحظة، وهذه اللغة، التي تبدد الحكمة الإسرائيلية وهي لا تريد أن ترى في لبنان غير ما تريد.

 

من لغة هـذه المقاومة يظهر وجه مترسخ في أرض لبنان وفي تاريخ لبنان. كلما انتقلنا من عويل العجـز والخضوع إلى لغة المقاومة يتبــين لنا كيف أن الحـرب الإسرائيلـية على لبنان هي حرب على الذين لا يخضعون وباسم كل الذين يجعلون من الإخضاع طريقتهم في رؤية الآخرين. لغة تقاوم شراسة تدمير وقتل يقـال لنا وللعالم أنها لن تتوقف إلا في حالة الخضوع لأنها، حسب حكمة إسرائيل، شراسة في مصلحة لبنان.

 

ولبنان المقاوم لغة لأصدائها أن تتردد، لا من أجل الشفقة بل من أجل أن تبقى المقاومة لغة لبنان ولغة كل الذين لا يقبلون الخضوع.

 

نعم، كل واحد منا له مكانه في لغة المقاومة، قريباً أو بعيداً. مكانٌ يعدد الصدى، يخرج على إهمال أو لامبالاة أو حتى حياد. خروج ضد العادة اليومية التي أصبحت تطوع كل واحد منا بما يعرفه وما يجهله. لغة المقاومة، لبنان.

 

محمد بنيـس

مصدر Ethereum