ميغيل كاسادو
لعل أوَّل ما يأسرنا عندما نقرأ ديوان “نهر بين جنازتين” لمحمد بنيس، في هذه الترجمة الاسبانية، هو أننا لا نعثر في ترجمة لويس ميغيل كانيادا على سيرورة المعنى ولا على صعوبة التركيب الإيقاعي فحسب، بل نقف، إضافة إلى ذلك، على بنية للقصيدة مبتكرة إلى حد بعيد ولا مثيل لهَا. قطع متشذرة، يتداخل الشعر فيها بحرية مع النثر؛ وقصائد مطولة تعمل فجواتها الداخلية، كما تعمل وقفاتها وفضاءات البياض فيها على نمو غريب للنص؛ وقصائد مركبة أحياناً من عمودين بشكل مُتزامن. ويُظهر محمد بنيس في هذه القصائد كيف يَصِير الشعر فكراً، تحليلاً، بحثاً، مكاناً لاتخاذ موقف، دون أن يتخلى في الوقت نفسه عن تجذير اختياره الشعري. إذا نحن أخذنا بعين الاعتبار بعض أعماله الشعرية السابقة – مثل “هبة الفراغ” ، بترجمة لويس ميغيل كانيادا أيضاً، أو “ورقة البهاء”، الذي قرأته في ترجمة فرنسية لمنير سرحاني وبرنار نويل – فسنكتشف من خلال هذه القطع نفسها سمة شكل خصوصي، فما يَصِلُ بين هذا العمل وذاك هي الخُيوط التي تركب إيقاعاً متبايناً يؤلف نسيجاً يخترق الحياة ويمتزج بها. إنه مشروع ذو رَوْنق عجيب – ولا ينبغي لي أن أتأخر في الإفصاح عنه – بأبعاد رهَانه وبالمكانة البارزة التي يحتلها في الحداثة الشعرية العربية. نحن نتحدث عن شاعر متفرد بأدق معاني الكلمة. لكن القارئ نفسه هو من ينبغي أن يقدر قيمته