عنْ مشرُوع “الميثَاق الوَطنيّ للثقافَة” (استجابةً لدعْوة من الصّديق عبد اللطيف اللَّعبي)

 

 

 

لم تستطع الثقافةُ المغربيةُ الحديثة أنْ تمتلكَ مرجعية وطنية تتجمَّع فيها وتتوحَّد. فهذه المرجعية الوطنية هي التي كانت ستسمحُ لها بتوضيح معْنى الوضعية الاعْتبارية للثقافة، ومكانتِها النوعية في تحْديث المجتمع وقيَمه، وفعْلها الخاص في ترْسيخ الأسُس الضرورية للدِّيمقراطية وممارستها؛ كما كانت ستكْفل وجودَ الاختلاف والحقِّ فيه. ورغم أنَّ أدباء وكتاباً وفنانين نجحُوا في إنتاج أعمال وإنْشاء مؤسَّسات تفتح طُرق التحديث، أو نشْر دراسات وتأمُّلات في نقد تجاهُل التفاعل بين الحداثة والدِّيمقراطية من جهة، والثقافة من جهة ثانية، فإنهُم لمْ يصلوا إلى أن تُصبح للثقافة هذه الوضعيةُ الاعتبارية المطلوبةُ في المجتمع. ثمة عوائقُ مختلفة حالتْ دون النظر إلى الثقافة المغربية الحديثة بمَا هي ضرورةٌ فرديةٌ وجماعية، تاريخيةٌ ووطنية، ذاتيةٌ ومصيرية، في آن.

 

عدمُ الوصُول إلى ذلك هو بحدِّ ذاته إخفاقٌ تاريخي. وللنُّخبة المثقفة، التي تريدُ الإقدام على التفكيـر فـي”الميثاق الوطنيِّ للثقافة”، أنْ تبدأ بالإقْرار بإخفاقـها هذا. إنها الخُطوة الأولى للنظر في مسْألة “الميثاق”. على أنَّ الإقرار بالإخفاق وحْده لا يكفي. إذ أنَّ “الميثاق الوطني للثقافة” فكرةٌ قبل كل شيء. ولا يُمكـن أن نتخيلَ البحثَ في الفكرة إلا إذا كنَّا واعين بالزَّمن الذي تعيـشُ فيه الثقافة المغربية اليوم، وكنا في حالة اقتناع جمَاعيّ بأن ثمة أزمة تُعاني منها الثقافة المغربية وبأن لهذه الأزمة انعكاساتٍ مؤلمة على الحياة الجماعيَّة والفرديَّة للمغـاربة.

 

لتصوُّر”الميثاق الوطني للثقافة” تسمياتٌ عديدة في لغات وثقافات، عبْر مراحل من التاريخ الحديث. ويُفيد التصور أن الثقافة مرتكزُ فكرة الحريَّة، التي هي أساسُ بناء المجتمعات الحديثة، وأنَّ خصائص الثقافة تتطلبُ مقوِّمات وحُدوداً يجبُ الالتزام بها. من هنا يمكنُ للتصوُّر أن يأخذَ تسميةً قابلة لاستيعاب معْنى الثقافة الحديثة ومكانتها لدَى الفرد كما لدَى الجماعة.

 

“الميثاق الوطني للثقافة” صيغةٌ كفيلةٌ بتوضيح أنَّ الثقافة هي وحْدها التي يُمكن أن تعدَنا بمجتمع مغربيٍّ حديث، ديمقراطي، لا يتخوَّف من المستقبل. لذا منَ الأفضل أن نتجنَّب، الآن، مناقشة نواقص التَّسمية، من حيث ملاءمتُها أو عدمُها للانطباق على الفعْل الثقافي. وإذا كان “الميثاق الوطني للثقافة” تسميةً يصلح اعتمادُها، مرحلياً، في رصْد مقوِّمات وحُدود الثقافة المغربية الحديثة، فهو، في الآن ذاته، أكثرُ من وثيقة يتمُّ الاتفاق عليها. ليس “الميثاق” رصداً للحاجيَّات أو المطالب، التي يلمسُ كل واحد منا طابعَها المستعجَل ويمكنه أن يعبِّر عنها بصفته فرداً أو جماعةً أو مؤسسة، ولا هو تحليلٌ أو تفسيرٌ لواقع الثقافة المغربية، بل هو، في الأسَاس، مرجعيةٌ نظريةٌ تتطلَّب التزاماً أخلاقياً وعملياً يحترمُه ويصونُه ويعملُ به كلٌّ من المثقفين والمؤسَّسات الثقافية ومؤسَّسات الدولة والمجتمع. وهو يأتي لتعْضيد الثقافة المغربية الحديثة، وتأكيد فاعليتهَا الطبيعيَّة في أفُق الاختيار الديمقراطي، وتوفير شروط تقاسُمها بين أفراد المجتمع وحمايتها من الإتْلاف والتَّبديد والعبَث.

 

وردتْ على خاطر بعض المثقفين المغاربة فكرةُ ميثاق وطني للثقافة، ولكنَّهم لم يُعلنوا عنها في صيغة نداء مفتُوح موجَّه، عبر الصحافة، إلى عُموم المثقفين، مثلما فعل عبد اللطيف اللعبي في ندائه (مارس- أبريل 2010). ثمة كتاباتٌ بهذا الشأن، منها ما يعودُ إلى الثلاثينيات، على غرار ما قام به محمد داود وسعيد حجِّي؛ ومنها ما جسَّدته أعمال وكتابات تبقى في مقدمتها مؤلفاتُ لعبد الله العروي. وقد كنت، من جانبي، أعلنتُ سنة 2003، عبر تصريحات في وسائل الإعلام، بمناسبة انعقاد الجمع العام لـ”بيت الشعر في المغرب”، عن ضرورة الانتقال إلى مرحَلة وضْع “الميثاق الوطني للثقافة”. سببُ ذلك التصريح هو شعوري بأنَّ عناصر أصبحتْ متوفرة، منها : اتساعُ الممارسة الثقافية الحديثة، ارتفاعُ عدد المثقفين، وجودُ أعمال ثقافية ذات قيمة عالية، تفاعلُ مثقفين فيما بينهم بمختلف حساسياتهم وأعمالهم، انتباهُ فئات من المجتمع إلى حضُور الثقافة المغربية الحديثة، ازديادُ عناية أطراف خارجية بأعمال مغربية، الشروعُ في الكلام عن الحداثة والديمقراطية على المستوى الرسمي. آنذاك بدَا لي أن الوقت مواتٍ لتدارُك سلبيات المرحلة السابقة من ناحية؛ والاستعداد، من ناحية ثانية، لمُقاومة زمَن العولمة، الذي كانت ملامحُه بدورها تتقدَّم شيئاً فشيئاً نحو الحياة الثقافية وقد أخذتْ تستبدُّ بالحياة العامَّة.

 

نحن، اليوم، في وضْع ينفصلُ عن تلك اللحظة التي كنتُ أراها مواتية. والانفصالُ عن تلك المرحلة يؤدِّي بي إلى الاقتناع بأنَّ ما كان آنذاك مُمكناً لم يعد اليوم كذلك، على الأقل بما كان يحْتمل أن يتحقَّق بسَلاسة ومُرونة. هكذا أجْملُ الأسباب:

أ/ تمزقٌ في وسط النخبة الثقافية : وهو العاملُ الأول في انتفَاء إمكانية اللقاء لإعْداد “الميثاق الوطني للثقافة”. لا أجدُ أيَّ فائدة في الاعتقاد بأنَّ هذا الميثاق يجبُ أن يتبعَ مسَار “الميثاق الوطني للتعليم”، الذي خضَع تصوُّرُه كما خضعت صياغتُه لميزان القوى السياسية والنقابية ومصالحها الظرفية. فالمثقفون همُ الذين يجبُ أن يضعُوا للثقافة ميثاقها الوطني، بما هو نسقٌ نظريٌّ خلاَّق يرتبط بالصيرُورة الثقافية والسياسية في المغرب، مثلما يرتبطُ بما يجْري في العالم. على أنَّ حدة قطْع الصلة بين المثقفينَ المغاربة تفاقمَت، اليوم. فهم ينقسمُون على أنفسهمْ، يتخلَّون عن التضامُن فيما بينهم، وينفي الواحدُ منهم وجودَ الآخر.

ب/ سيادةُ المصالح الشخصية: هذه ظاهرةٌ أصبحَتْ مهيمنة في حياة النُّخبة الثقافية. غالباً ما بات المثقفُ يُعطي الأولوية لرعاية مصَالحه الشخصية في مُمارسة العَمل الثقافي. وهو ما لا يتركُ له فرصةَ الاستمرار في التشبُّث بما كان (أو بما يُفتَرضُ أن) يصدُر عنه من مواقفَ نقدية تجاه نُفور المؤسسة الرسمية من الثقافة المغربيَّة الحديثة ومُجافاتها، أو الإفلاتِ من إغْراءات العهد الليبرالي وبشائر العولمة التي نشرتْ ثقافة المنفعَة الشخصية السَّريعة من غير اكْتراث بالقيم الأخلاقية وبالأفكار الإنسانيَّة الكبرى. إن هذه الظاهرة تقفُ دون انتماء المثقف لفكْرة الثقافة ودون تفْضيل ما هو جماعي يسيرُ في أفُق وطني ديمقراطي. ومن ثم فهي عائقٌ حقيقي أمامَ الاتفاق على اخْتيارات تتوحد فيها حركةُ الثقافة المغربية.

ت/ كثرةُ النزعات والمواقف : نشهدُ، منذ بداية الألفية الثالثة، تكاثرَ النزعات والمواقف في الحقل الثقافي، بدلاً من نموِّ التعدُّد والاختلاف. والمقصودُ بالكثرة انعدامُ أيِّ رابط بين هذه النزعات والمَواقف. أيْ أننا نعيشُ حربَ نزعات ومواقف لا تبادلَ الاعتراف بينها، وبالتالي نعيشُ حرب هُويَّات لا تبادلَ الاعتراف بالهُويات. فليس في الكثرة ما يؤدِّي إلى ترسيخ شيْء ما مُشترك، وفي مقدمته الرابطُ اللغوي. وانعدامُ هذا المشترك يفرِّق ويعدِّد الولاءات، فلا يُساعد على حوار أو اتِّفاق.

ج/ تبعيةُ الثقافي للسياسي: عانت الثقافية المغربيةُ منذ الثلاثينيات، وبالأخص العربية منها، من تبعية الثقافي للسياسي. و، بعكس ما كان مُنتظراً، لم تعرف المعاناةُ، للأسف، إلاَّ تصاعُداً مع فترة الانتقال الديمقراطي ومع دخول أحزاب الكتلة الديمقراطية إلى الحكومة، في أواسط التسعينيات. إنَّ العاملين على اسْتدامة هذه التبعية يُضاعفون مآسي إرْغام غيرهم على الخُضوع للزعامة ووَاحدية الحقيقة، كما يُغذُّون بسلوكهم هذا عقليةَ عدم الاعتراف بالآخَر وعدم اعتباره، على المستوييْن الفردي والجماعي، ولا يضْمنُون المساواة في التعامُل مع الأفراد المثقفين على أساس ما يُنتجون، أو احترام كرامَتهم وإنْسانيتهم. أيْ أنَّ هذا النمطَ من السياسيين (وكثير من بينهم متحزبُون) مجردُ أدْعياء الديمقراطية، لذلك فإنهم لا يتوانوْن عن زيادة حجْم المظالم التي يتعرَّض لها مثقفون. ما لا يفهم هؤلاء السياسيُّون هو أن الثقافيَّ يعيش في علاقة مع سواه (ومنه السياسي)، لكنَّ هذه العلاقة قائمةٌ على الاستقلال والحريَّة والنقد. إنهم لا يتحمَّلون جُرعة واحدة من الدواء. فلا نفعَ معهم في النقاش أو الحجَاج. ولا جدْوى من تذْكيرهم بتاريخ الثقافة المغربية الحديثة ولا بالمآل المأسَاوي الذي أدتْ إليه تبعيةُ الثقافي للسياسي. العاملون على اسْتدامة هذه التبعية سعداءُ بما يتوهَّمون، مغتبطُون بسُلطتهم وباسْتعدادهم لتدمير كلِّ ما يمكن أن تنبثقَ منه حركةٌ ثقافية مغربية حرَّة.

ح/ ظهورُ وُسَطاء ثقافيين: ليس وجودُ وسطاء ثقافيين جديداً في المغرب الحديث. وما له اعتبارٌ هو الظهورُ المتنامي لعَدد من الوسطاء، الذين أصبحُوا يلعبُون دور المتكلم باسم الثقافة المغربية. تتألف فئةُ الوسطاء الثقافيين من مغاربة وأجانب. وهم يعتمدُون وسائلَ وإمكانيات مادية تسهِّل تدخُّلهم المباشر في الشأن الثقافي. وتساعدُ العولمة الليبرالية، التي تخصُّ بالأفضلية ثقافةَ الإعلام والاستهلاك، على توْسيع قاعدة هؤلاء الوُسطاء، كما تيسِّر لهم قوةَ التأثير في الاختيار والحُكم والتوْجيه. وهي جميعها تمنعُ المثقفين من حُرية التعامُل مع الوضع الثقافي وتُجبرهم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على تبنِّي اختيارات تقلِّص من إمكانية التواصُل بينهم.

خ/ ندرةُ المؤسسات الثقافية الحرة: أصبح كلُّ متتبع نقدي للأوضاع الثقافية في المغرب يُدرك أن المؤسسات الثقافية الحرة تظلُّ نادرة. وترجعُ ندرتُها إلى تحكم السياسي في أغلب المؤسَّسات الثقافية الوطنية وإخضاعها لمشيئَـته. وواضحٌ أن مثقفي أحزاب الكتلة الديمقراطية همْ أولُ من يستوْلون على هذه المؤسَّسات الثقافية ويُبعدون سواهم. إنَّ المؤسسات الثقافية الحرة هي التي يُمكن للمثقفين أن يعبِّروا فيها، ومن خلالها، عن وجْهات نظرهم الجماعية في القضايا التي تعْنيهم، باستقلال عن كل ضغط (أو امتياز) خارجي، وأن يُراقبوا أوضاعَ الثقافة والمثقفين ويتدخَّلوا، في الوقت المناسب. بالإضافة إلى أنها التي يصبحُ الحوارُ فيها ممكناً بين المثقفين حول “الميثاق الوطني للثقافة” وصياغته والعمل على إقراره.

د/ تهميشُ العربية ومحاكمتُها : من العَوامل السلبية في الحياة الثقافية ما تتعرَّض له العربيةُ من تهميش ومُحاكمة من طرف جهَات مختلفة. وهذه وضعية لافتةٌ للأنظار. حتى العجبُ يفقد سرَّه. تهميشُ العربية ومحاكمتُها يتكاثران عن طيب خاطر. والجهاتُ التي تصْدر الأحكام تتمتَّع بفضاءات شاسعة من حيثُ الإمكانيات والنفوذ. ولا يستسيغُ أيُّ ملاحظ، يصدر عن وجْهة نظر نقدية، أنْ يرى هذا المشهدَ بما هو مجردُ تعبير عن الرأي. من ثم فإنَّ ما يُحدثه وضعُ العربية منَ انقسام في الوسط الثقافي لا سبيلَ إلى التملُّص منه.

ر/ بين سيادَة الحقل الديني وصَرامته : لم يغب الدينُ يوماً عن المغرب، لكنَّ مظهر الإسلام الأصوليِّ عبّر عن نفسه في الثمانينيات مع فترة عوْدة الدين إلى العالم الغربي، بعْد إخفاق المشروع اليساري. هذا الإسلامُ الأصوليُّ اقتحم المغرب على إثر إخْفاق كلٍّ من فكرة العروبة والتجربة الاشتراكية في العالم العربي، وعلى إثر انتصَار الثورة الإيرانية خصُوصاً، ونموِّ حركات أصُولية وجهادية في الجزائر والسعودية وأفغانستان والعراق وفلسطين. إنه إسلامٌ يتجذَّر تأثيرُه أكثر فأكثر، لا لأننا نستحضرُ أحداث 16 ماي 2003، بل لأنَّ النزعة الإسلاميَّة تطغَى على التوجُّه العام للمجتمع، مما يعْني انتصارَها عبر مختلف فئاته، وفي مقدمتها فئة المثقفين. لقد اتَّسع التعبيرُ الصريحُ بمختلف الرموز عن النزعة الإسلامية في المجتمع والثقافة. وهو تعبيرٌ بقدر ما يُريح الدولة يحثُّها على استعمال الصرامة في الانْضباط للمذهب السنِّي المالكي. لذلك فهي، من ناحية، تنوِّع تنشيط الحقل الديني وتُبرزه بما تراه ملائماً لسياستها الدينية؛ وتراقبُ، من ناحية أخرى، الانضباطَ للواحدية في المذهب وفي قراءة القرآن. وتدلُّ حالةُ الحقل الديني على أنَّ حظوظ إقبال المغاربة على الثقافة الحديثة في تضاؤل، وأنَّ ما يعني الدولة هو أسبقيةُ نشر قراءتها الظرْفية للدين على العنَاية بالثقافة المغربيَّة الحديثة.

 

كلُّ هذه عواملُ تعمقت حدتُها في السنوات الأخيرة. وهي تؤدِّي إلى إفْراغ الثقافة من معْناها، مثلما هي تحرِّض على قطْع الصلة بين المثقفين. في ضوء هذه العوامل الجوْهرية، أتساءل: كيف يُمكن الوصول إلى وضْع “الميثاق الوطني للثقافة”؟ ومع مَنْ يُمكن الجلوسُ والحوار؟ إن السؤالين يُفيدان أنه يصعبُ أن نفكرَ في وضع “الميثاق” دونما اعتبار الحدِّ الأدنى الذي يجبُ أن يتوفر حتى ننجحَ في إعداد “الميثاق”.

 

لكن، ألاَ يُخفي هذان السؤالان أنني أختارُ مقام النَّدب على الثقافة المغربية الحديثة والإعلانَ عن نهايتها، كما أعلنَ آخرون عن نهايات أخرى؟ الجوابُ هو النفي. فأنا لا أرى نهايةَ للثقافة المغربية الحديثة، بدليل أنَّ هناك مغرباً ثقافياً حيوياً أعملُ فيه ومن أجله ولا أتخلَّى عنه؛ ثم إن الزمن، وهو الأهم، لا ينْتهي. على أنَّ القول بوجُود مغرب ثقافي حيويٍّ وبلانهائية الزمن لا يكفي بدوْره. نحن، حقاً، في وضعية صعْبة جداً، نعجزُ فيها عن الوصُول إلى وضع “الميثاق الوطني للثقافة” بالشروط التي يجبُ أن تتوفر فيه. بل لم نعُد نعرفُ فيها حتى عند أيِّ حد يقف عجزُنا عن تخيُّل المستقبل. ولكن علينا، بدلاً من اليأس والتشاؤم، أن نستعجل القيامَ بما يلي:

  • أولا، أنْ نبقى أوفياءَ للدعوة إلى “الميثاق الوطني للثقافة”.
  • ثانيا، أن نتجرأَ على إبدال طريقتنا في تأمُّل الواقع وتفسيره.
  • ثالثا، أن نعلنَ تضامُننا الصريح مع المثقفين المظلومين، ونشجِّع المُساواة في التعامل مع المثقفين وفي حفْظ كرامتهم وإنسانيتهم، ونعملَ، تبعاً لوصية عبد الحميد الكاتب، على أن تعودَ العلاقةُ بين المثقفين المقاومين إلى الأخوَّة والمودَّة والتسامُح، وأن نشجِّعَ على التصالح والتضامُن فيما بينهم والاعتراف ببعْضهم البعْض.

 

هذه خطواتٌ للمواجهَة والمقاومة. وهي تعْني أننا، بالاتفاق عليْها (وعلى غيرها) والعمل بها، نُقرِّر الانخراطَ في تهييء شروط اللقاء من أجْل “الميثاق الوطني للثقافة”، وأننا لا نقبلُ أن نكون جامدين، مُستسْلمين، مُتوارين عن أنفسنا وعن غيْرنا. لكني سأكونُ كاذباً لو تكهنتُ بما يلزم من الوقت.

وما أؤمن به، الآن، على المُستوى الشخصي، هو المُقاومةُ بالكتابة وفي الكتابة، والعملُ مع أصدقاء أوفياءَ لفكرة التحديث الثقافي في المغرب. نعمْ، إنها مقاومةٌ تأكل الجسَد، فيما لا مفرَّ من الصبْر. ولكني أرى مسالكَ المقاومة تركضُ إلى هناك، حيث الذاتُ والكتابةُ والحرية.

محمد بنيـــس

المحمدية، في 12 سبتمبر 2010.

 

 

Comments (0)
Add Comment