كلمة سارتوريوس

في أصيلة 2016

أيها الإخوة، أيها الأصدقاء

إنني متأسفٌ لكوني لا أستطيع أن أكون بينكم. زفاف ابنتي في برلين يمنعني من القدوم. كنت أود إلى حد بعيد أن أشارك في هذه الندوة بأصيلة لتكريم شعر محمد بنيس والاحتفاء بمبدعه.

إن كان في ألمانيا تجديدٌ في الاهتمام بالشعر العربي المعاصر، بعد مرحلة طويلة من تجاهله، فهو يعود قبل كل شيء لهذا الثلاثي محمود درويش، أدونيس ومحمد بنيس، ويحتل فيه هذا الأخير مكانة خاصة به. كلمات شعره، التي تتراوح بين تجريدية عالية وأوصاف حسيَّة، هي بحثٌ عن الصمت، عن الفراغ، عن هذه الأرض المجهولة، حيث يسكن ما لم يُنطَقْ به بعْد. وهو يقوم بهذا البحث الصارم للمحافظة على حيوية اللغة، لحمايتها وإعادتها إلينا.

الشعراء الشبان الألمان، المهْووسُون بتسحيل وقائع الحياة اليومية، الذين يرفعون من شأن الوقاحة والسخرية، ويمارسون اللعب بالكلمات من أجل اللعب بالكلمات، يمكنهم أن يتعلموا الكثير من محمد بنيس. أيْ أنَّ على الشعر ألا يتردد في مواجهة أعالي اللغة، أن يركّب صوراً تتجاور فيها الميتافيزيقا مع البحث عن الشطح الذي يولد بالضبط من الصمت ومن التأمل. وإني لأرى تقارباً لدى محمد بنيس مع الرومانسيين الألمان مثل نوفاليس وهلدرلين، وأيضاً مع هيدجر وكتابته عن الشعر، التي هي شعر في الوقت ذاته.

في السنة الماضية كنت مع محمد بنيس وأدونيس مدعوين إلى مهرجان أدبي في الغابة السوداء. وغير بعيد عن المهرجان يوجد موقع الكوخ الخشبي الشهير، المكان الذي كان يأوي هيدجر إليه، وفيه كتب “الكينونة والزمان”. قررنا القيام برحلة إليه، ولا أنسى أبداً صعودنا للهضبة نحو الكوخ، في حرارة الظهيرة وصمتها.

أعتذر عن هذا البوح. فأنا أريد أن أقول كم أحس بنفسي قريباً من شعر محمد بنيس. أتمنى لكم ندوة ناجحة، مع أملي أن أقرأ ذات يوم ملخصاً عن أعمالها.

يُواخيم سارْتورْيُوس